لِإِيلَافِ قُرَيْشٍاختلفت القراء في قراءة لإيلاف قريش * إيلافهم فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار بياء بعد همز لإيلاف وإيلافهم ، سوى أبي جعفر ، فإنه وافق غيره في قوله لإيلاف فقرأه بياء بعد همزة ، واختلف عنه في قوله إيلافهم فروي عنه أنه كان يقرؤه ( إلفهم ) على أنه مصدر من ألف يألف إلفاً ، بغير ياء وحكى بعضهم عنه أنه كان يقرؤه ( إلافهم ) بغير ياء مقصورة الألف .
والصواب من القراءة في ذلك عندي : من قرأه لإيلاف قريش * إيلافهم بإثبات الياء فيما بعد الهمزة ، من آلفت الشيء أولفه إيلافاً ، لإجماع الحجة من القراء عليه . وللعرب في ذلك لغتان : آلفت ، وألفت ، فمن قال : آلفت بمد الألف قال : فأنا أؤالف إيلافاً ، ومن قال : ألفت بقصر الألف قال : فأنا آلف إلفاً ، وألفت ، فمن قال : آلفت بمد الألف قال : فأنا أؤالف إيلافاً ، من قال : ألفت بقصر الألف قال : فأنا آلف إلفاً ، وهو رجل آلفت قال : فأنا أؤالف إيلافاً ، ومن قال : ألفت بقصر الألف قال : فأنا آلف إلفاً ، وهو رجل آلف إلفاً ، وحكي عن عكرمة أنه كان يقرأ ذلك ( لتألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف ) .
حدثني بذلك أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ،عن أبي مكين ، عن عكرمة .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما :
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : إلفهم رحلة الشتاء والصيف .
واختلف أهل العربية في المعنى الجالب هذه اللام في قوله لإيلاف قريش فكان بعض نحويي البصرة يقول : الجالب لها قوله فجعلهم كعصف مأكول [ الفيل : 5] فهي في قول هذا القائل صلة لقوله جعلهم ، فالواجب على هذا القول ، أن يكون معنى الكلام : فعلنا بأصحاب الفيل هذا الفعل ،نعمة منا على أهل هذا البيت وإحساناً منا إليهم ، إلى نعمنتا عليهم في رحلة الشتاء والصيف ، فتكون اللام في قوله لإيلاف بمعنى إلى ، كأنه قيل : نعمة لنعمة وإلى نعمة ، لأن إلى موضع اللام ، واللام موضع إلى . وقد قال معنى هذا القول بعض أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال :ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله إيلافهم رحلة الشتاء والصيف قال : إيلافهم ذلك فلا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف .
حدثني إسماعيل بن موسى السدي ، قال : أخبرنا شريك ، عن إبراهيم النخعي بن المهاجر ، عن مجاهد لإيلاف قريش قال : نعتي على قريش .
حدثني محمد بن عبد الله الهلالي ، قال :ثنا فروة بن أبي المغراء الكندي ، قال : ثنا شريك ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله لإيلاف قريش قال : نعمتي على قريش .
وكان بعض نحويي الكوفة يقول : قد قيل هذا القول ، ويقال : إنه تبارك وتعالى عجب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : اجبت يا محمد لنعم الله على قريش ، في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . ثم قال : فلا يتشاغلوا بذلك عن الإيمان واتباعك ، ويستدل بقوله فليعبدوا رب هذا البيت .
وكان بعض أهل التأويل يوجه تأويل قوله لإيلاف قريش إلى ألفة بعضهم بعضاً .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال يزيد ، في قول الله لإيلاف قريش فقرأ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل [ الفيل : 1] إلى آخر السورة ، قال : هذا لإيلاف قريش ، صنعت هذا بهم لألفة قريش ، لئلا أفرق ألفتهم وجماعتهم ، إنما جاء صاحب الفيل ليستبيد حريمهم ، فصنع الله ذلك .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن هذه اللام بمعنى التعجب. وأن معنى الكلام : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، فليعبدوا رب هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . والعرب إذا جاءت بهذا اللام ، فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلاً على التعجب من إظهار الفعل الذي بجلبها ، كما قال الشعر :
أغرك أنقالوا لقرة شاعراً فيا لأباه من عريف وشاعر .
فاكتفى باللام على التعجب من إظهار الفعل ، وإنا الكلام : أغرك أن قالوا : اعجبوا لقرة شاعراً ، فكذلك قوله لإيلاف .
وأما القول الذي قاله من حكينا قوله ، أنه منم صلة قوله فجعلهم كعصف مأكول [ الفيل : 5] فإنه ذلك لو كان كذلك ، لوجب أن يكون لإيلاف بعض ألم تر ، وأن لا تكون سورة منفصلة من ألم تر ، وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى ، ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك . ولو كان قوله لإيلاف قريش من صلة قوله فجعلهم كعصف مأكول [ الفيل : 5] لم تكن ألم تر تاة حتى توصل بقوله لإيلاف قريش لأن الكلام لا يتم إلا بانقضاء الخبر الذي ذكر .
وبنحو الذي قولنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله ( إلفهم رحلة الشتاء والصيف ) يقول : لزومهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله لإيلاف قريش قال : نهاهم عن الرحلة ، وأمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت ، وكفاهم المؤنة ، وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف ، فلم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف ، فأطعمهم بعد ذلك من جوع ، وآمنهم من خوف ، وألفوا الرحلة ، فكانوا إذا شاءوا ارتحلوا ، وإذا شاءوا أقاموا ، فكان ذلك من نعمة الله عليهم .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني ابن عبد الأعلى ، قال :ثنا داود ، عن عكرمة قال : كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمين ، ويحتلفون إلى هذه في الشتاء ، وإلى هذه في الصيف فليعبدوا رب هذا البيت فأمرهم أن يقيموا بمكة .
حدثنا ابن حيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن إسماعيل ، عن أبي صالح ( لإيلاف قريش إيلافهم ) قال : كانا تجاراً ، فعلم الله حبهم للشام .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لإيلاف قريش قال : عادة قريش عادتهم رحلة الشتاء والصيف .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لإيلاف قريش كانوا ألفوا الارتحال في القيظ والشتاء .
وقوله إيلافهم مخفوضة على الإبدال ، كأنه قال : لإيلاف قريش لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف . وأما الرحلة فنصبت بقوله إيلافهم ووقوعه عليهم .
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِوقوله رحلة الشتاء والصيف يقول : رحلة قريش الرحلتين ، إحداهما إلى الشام في الصيف ، والأخرى إلى اليمن في الشتاء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله رحلة الشتاء والصيف قال : كانت لهم رحلتان : السف إلى الشام ، والشتاء الى اليمن في التجارة ، إذا كان الشتاء امتنع الشأم منهم لمكان الربد ، وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان رحلة الشتاء والصيف قال : كانوا تجاراً
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، ثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، عن الكلبي رحلة الشتاء والصيف قال : كانت لهم رحلتان : رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشأم .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : ثنا خطاب بن جعفر بن أبي الغيرة قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس إيلافهم رحلة الشتاء والصيف قال كانوا يشتون بكة ، ويصيفون بالطائف .
وقوله : فليعبدوا رب هذا البيت يقول : فليقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة ، وليعبدوا رب هذا البيت : يعني بالبيت : الكعبة .
كما حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أن عر بن الخطاب رضي الله عنه ، صلى المغرب بكة ، فقرأ لإيلاف قريش فلما انتهى إلى قوله فليعبدوا رب هذا البيت أشار بيده إلى البيت .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله فليعبدوا رب هذا البيت قال الكعبة .
وقال بعضهم : أروا أن يألفوا عبادة رب مكة كإلفهم الرحلتين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال :ثنا مروان ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة عن ابن عباس ، في قوله الله لإيلاف قريش قال : أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت ، كإلفهم رحلة الشتاء والصيف .
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِوقوله : فليعبدوا رب هذا البيت يقول : فيلقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة ، وليعبدا رب هذا البيت ، يعني بالبيت : الكعبة .
كما حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، صلى المغرب بمكة ، فقرأ لإيلاف قريش فلما انتهى إلى قوله فليعبدوا رب هذا البيت أشار بيده إلى البيت .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال :ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : فليعبدوا رب هذا البيت قال الكعبة .
وقال بعضهم : أمروا أن يألفوا عبادة رب مكة كإلفهم الرحلتين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا مروان ، عن عاصم الأحول ، عن مكة ، عن ابن عباس ، في قوله لإيلاف قريش قال : أمروا با، يألفوا عبادة رب هذا البيت ، كإلفهم رحلة الشتاء والصيف .
الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍوقوله : الذي أطعمهم من جوع يقول : الذي أطعم قريشاً من جوع .
كما حدثني علي ، قال :ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله الذي أطعمهم من جوع يعني : قريشاً أهل مكة ، بدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حيث قال وارزقهم من الثمرات [ إبراهيم : 37] .
وآمنهم من خوف اختلف أهل التأويل في معنى قوله وآمنهم من خوف فقال بعضهم : معنى ذلك : أنه آمنهم مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم ، من الغارات والحروب والقتال ، والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس وآمنهم من خوف حيث قال إبراهيم عليه السلام : رب اجعل هذا البلد آمنا [ إبراهيم : 35] .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال :ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، قوله وآمنهم من خوف قال آمنهم من كل عدو في حرمهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( لإيلاف قرش إلفهم ) قال : كان أهل مكة تجاراً ، يتعاوررون ذلك شتاء وصيفاً ، آمنين في العرب ، وكانت العرب يغير بعضها على بعض ، لا يقدرون على ذلك ، ولا يستطيعونه من الخوف ، حتى إن كان الرجل منهم ليصاب في حي من أحياء العرب ، وإذا قيل حرمي خلي عنه وعن اله ، تعظيماً لذلك فيما أعطاهم الله من الأمن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وآمنهم من خوف قال : كانوا يقولون : نحن من حرم الله ، فلا يعرض لهم أحد في الجاهلية ، يأمنون بذلك ، وكان غيرهم من قبائل العرب إذا خرج أغير عليه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وآمنهم من خوف قال : كانت العرب يغير بعضها على بعض ، ويسبي بعضها بعضاً ، فأمنوا نم ذلك لمكان الحرم وقرأ أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء [ القصص :57].
وقال آخرون : عني بذلك : وآمنهم من الجذام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، قال : قال الضحاك وآمنهم من خوف قال : من خوفهم من الجذام .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان وآمنهم من خوف قال : من الجذام وغيره .
حدثنا أبو كريب ، قال : قال وكيع : سمعت أطعمهم من جوع ، قال : الجوع وآمنهم من خوف الخوف : الجذام .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عار بن إبراهيم الأصبهاني ، قال :ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس وآمنهم من خوف قال : الخوف الجذام .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنه وآمنهم من خوف والعدو مخوف منه ، والجذام مخوف منه ، ولم يخصص الله الخبر عن أنه آنهم نم العدو دون الجذامم ، ولا من الجذام دون العدو ، بل عم الخبر بذلك ، فالصواب أن يعم كما عم جل ثناؤه ، فيقال : آمنهم من المعنيين كليهما .