قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌذكر أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب رب العزة فأنزل الله هذه السورة جواباً لهم . وقال بعضهم : بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه ، فقالوا له : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فأنزلت جواباً لهم .
ذكر من قال أنزلت جواباً للشركين الذين سألوه أن ينسب لهم الرب تبارك وتعالى .
حدثنا أحمد بن منيع المروزي و محمود بن خداش الطالقاني ، قالا : ينا أبو سعيد الصنعاني ، قال : ثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، قال : قال المشركون للنبلي صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فأنزل الله قل هو الله أحد * الله الصمد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة قال : إن المشركين قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن ربك ، صف لنا ربك ما هو أي شيء هو فأنزل الله : قل هو الله أحد إلى آخر السورة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قل هو الله أحد * الله الصمد قال : قال ذلك قادة الأحزاب : انسب لنا ربك فأتاه جبريل بهذه .
حدثني محمد بن عوف ، قال : ثنا شريح ، قال : ثنا إسماعيل بن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قال المشركون : انسب لنا ربك ، فأنزل الله قل هو الله أحد .
ذكر من قال نزل ذلك من أجل مسألة اليهود .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن محمد ، عن سعيد ، قال : أتى رهط من اليهو النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ي محمد هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ، ثم ساورهم غضباً لربه ، فجاءه جبريل عليه السلا فسكنه ، وقال : اخفض عليك جناحك يا محمد وجاءه من الله جواب ما سلوه عنه . قال : يقول الله قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، صف لنا ربك كيف خلقه ، وكيف عضه ، وكيف ذراعه .فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غعضبه الأول ، وساورهم غضباً ، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [ الروم : 67] .
حدثنا ابن حميد ، قال :نثا مهران ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال :جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : انسب لنا ربك ، فنزلت قل هو الله أحد حتى ختم السورة .
فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا : قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفعته ومن خلقه : الرب الذي سأتموني عنه ، هو الله الذي له عبادة كل شيء ، لا تنبغي العبادة إلا له ، ولا تصلح لشيء سواه .
واختلف أهل العربية في الرافع ( أحد ) فقال بعضهم : الرافع له ( الله) و ( هو ) عماد ، بمنزلة الهاء في قوله : إنه أنا الله العزيز الحكيم [ النمل : 9 ] وقال آخر منهم : بل (هو ) مرفوع ، وإن كان نكره بالاستئناف ، كقوله : هذا بعلي شيخ ، وقال : هو الله جواب لكلام قوم قالوا له : ما الذي تعبد ؟ فقال : هو الله ، ثم قيل له : فما هو ؟ قال : هو أحد .
وقال آخرون : ( أحد ) بمعنى : واحد ، وأنكر أن يكون العماد مستأنفاً به ، حتى يكون قبله حرف من حروف الشك ، كظن وأخوتها ، وكان وذواتها ، أو إن وما أشبهها . وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاب العربية .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( أحد الله الصمد ) بتنوين ( أحد ) سوى نصر بن عاصم ، و عبد الله بن ابي إسحاق ، فإنه روي عنهما ترك التنوين ( أحد الله ) ، وكأن من قرأ ذلك كذلك ، قال : نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام أو ساكن من الحروف حذفت أحياناً ، كما قال الشاعر .
كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي عن خدام العقيلة العذراء .
يريد : عن خدام العقيلة .
والصواب في ذلك عندنا : التنوين ، لمعنيين : أحدهما أفصح اللغتين ، وأشهر الكلامين ، وأجودهما عند العرب . والثاني : إجماع الججة من قراء الأمصار على اختيار التنوين فيه ، ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحته بغيره ، وقد بيناً معنى قوله ( أحد ) بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
اللَّهُ الصَّمَدُوقوله : الله الصمد يقول تعالى ذكره : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له الصمد .
واختلف أهل التأويل في معنى الصمد ، فقال بعضهم : هو الذي ليس بأجوف ، ولا يأكل ولا يشرب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ، قال : ثنا محمد بن ربيعة ، عن سلمة بن سابور ، عن عطية عن ابن عباس ، قال : الصمد : الذي ليس بأجوف .
حدثنا ابن بشار ، قال :ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الصمد : المصمت الذي لا جوف له .
حدثني أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله سواء .
حدثني الحارث ، قال :ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الصمد : المصمت الذي ليس له جوف .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن و وكيع ، قالا : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الصمد : الذي لا جوف له .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، وحدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران جميعاً ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال :ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا الربيع بن مسلم ، عن الحسن ، قال : الصمد الذي لا جوف له .
قال : ثنا الربيع بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جبير أسأله عن الصمد ، فقال : الذي لا جوف له .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا إساعيل بن بي خالد ، عن الشعبي ، قال : الصمد الذي لا يطعم الطعام .
حدثنا يعقوب ، قال :ثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي أنه قال : الصمد : الذي لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب .
حدثنا أبو كريب و ابن بشار ، قالا : ثنا وكيع ، عن سملة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : الصمد : الذي لا جوف له .
حدثنا أبو كريب ،قال :ثنا ابن أبي زائدة ، عن إسماعيل ، عن عامر ، قال : الصمد : الذي لا يأكل الطعام .
حدثنا ابن بشار و زيد بن أخزم ، قالا : ثنا ابن داود ، عن الممستقيم بن عبد اللك ، عن سعيد بن المسيب ، قال : الصمد : الذي لا حشوة له .
حدثت عن الحسين ، قال :سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله الصمد : الذي لا جوف له .
حدثني العباس بن ابي طالب ، قال :ثنا محمد بن عمرو بن رومي ، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش ، قال : ثني صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : لا أعله إلا قد رفه قال : الصمد الذي لا جوف له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، عن الربيع بن مسلم ، قال : سمعت الحسن يقول : الصمد : الذي لا جوف له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة ، قال : الصمد : الذي لا جوف له .
وقال آخرون : هو الذي لا يخرج منه شيء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سعت عكرمة ، قال في قوله الصمد : الذي لم يخرج منه شيء ، ولم يلد ، ولم يولد .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء محمد بن يوسف ، عن عكرمة قال : الصمد : الذي لا يخرج منه شيء .
وقال آخرون : هو الذي لم يلد ولم يولد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد ، قال :ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : الصمد : الذي لم يلد ولم يولد ، لأنه ليس شيء يلد إلا سيوره ، ولا شيء يولد إلا سيموت ، فأخبرهم تعالى ذكره أنه لا يورث ولا يموت .
حدثنا أحمد بن منيع و محمود بن خداش قالا : ثنا ابو سعيد الصنعاني ، قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : أنسب لنا ربك ، فأنزل الله : قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد لأنه ليس شيء إلا سيموت ، وليس شيء سموت إلا سيورق ، وإن الله جل ثناؤه لا يموت ولا يوؤث ولم يكن له كفوا أحد : ولم يكن له شبيه ولا عدل ، وليس كمثله شيء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب : الصمد : الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد .
وقال آخرون : هو السيد الذي قد انتهى سودده .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : الصم : هو السيد الذي قد انتهى سودده .
حدثنا أبو كريب ، و ابن بشار و ابن عبد الأعلى ، قالوا : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : الصمد : السيد الذي قد انهى سودده . ولم يقل أبي كريب و ابن عبد الأعلى سودده .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل مثله .
حدثنا علي ، قال :ثنا أبو صالح ، قال :ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، في قوله الصمد يقول : السيد الذي قد كمل في سودده ،و الشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد عظم في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والغني الذي قد كمل في غناه ، والجبار الذي قد كمل في جبروته ، والعالم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسودد ، وهو الله سبحانه هذه صفته ، لا تنبغي إلا له .
وقال آخرون : بل هو الباقي الذي لا يفنى .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا بشر ، قال :ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد قال : كان الحسن و قتادة يقولان : الباقي بعد خلقه ، قال : هذه سورة خالصة ، ليس فيها ذكر شيء من أمر الدنيا والآخرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، عن قتادة قال : الصمد : الدائم .
قال أبو جعفر : الصمد : عند العرب : السيد الذي يصمد إليه ، الذي لا أحد فوقه ، وكذلك تسمى أشرافها ، ومنه قول الشاعر :
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن سعود وبالسيد الصمد
وقال الزبرقان :
ولا رهينة إلا سيد صمد
فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ، ولو كان حديث ابن بريدة ، عن ابيه صحيحاً ، كان أولى الأقوال بالصحة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما عني الله جل ثناؤه ، وبما أنزل عليه .
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْوقوله : لم يلد يقول : ليس بفان ، لأنه لا شيء يلد إلا وهو فان بائد ( ولم يولد ) يقول : وليس بحدث لم يكن فكان ، لأنه كل مولود فإنما وجد بع أن لم يكن ، وحدث بعد أن كان غير موجود ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل ، ودائم لم يبد ، ولا يزول ولا يفنى .
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌوقوله : ولم يكن له كفوا أحد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولم يكن له شبيه ولا مثل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : ولم يكن له كفوا أحد : لم يكن له شبيه ، ولا عدل ، وليس كمثله شيء .
حدثنا بشر ،قال : ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عمرو بن غيلان الثقفي ، وكان أمير البصرة ، عن كعب ، قال : إن الله تعالى ذكره أسس السموات السبع ، والأرضين السبع ، على هذه السورة لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه .
حدثني علي ، قال :ثنا أبو صالح ، قال :ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ولم يكن له كفوا أحد قل : ليس كمثله شيء ، فسبحان الله الواحد القهار .
حدثني الحارث ، قال :ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن جريج ولم يكن له كفوا مثل .
وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه لم يكن له صاحبة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الملك بن أبجر ، عن طلحة ، عن مجاهد ، قوله : ولم يكن له كفوا أحد قال : صاحبة .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن ابن أبجر ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال :ثنا إبن إدريس ، عن عبد الملك ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أيجر ، عن رجل عن مجاهد ولم يكن له كفوا أحد قال : صاحبة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن أبجر ، عن طلحة ابن مصرف ، عن مجاهد ولم يكن له كفوا أحد قال : صاحبة .
حدثنا أبو السائب ، قال :ثنا ابن إدريس ، عن عبد الملك ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله . والكفؤ والكفي والكفاء في كلام العرب : واحد ، وهو المثل والشبه ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :
لا تقذفني بركن لا كفاء له ولو تأثفك الأعاء بالرفد
يعني : لا كفاء له : لا مثل له .
واختلف القراء في قراءة قوله ( كفوا ) ، فقرأ ذلك عامة قراء البصرة ( كفوا ) بضم الكاف والفاء .
وقرأه بعض قراء بتسكين الفاء وهمزها ( كفئاً ) .
والصواب من القول في ذلك ، أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .