. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
يقول تعالى ذكره : إنا أنزلناه هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، وهي ليلة الحكم التي يقضي الله فيها قضاء السنة ، وهو مصدر من قولهم : قدر الله علي هذا الأمر ، فهو يقدر قدراً .
وبنحوالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال :ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن كله جلة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئاً أنزله منه حتى جمعه .
حدثنا ابن المثنى ، قال :ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئاً أوحاه ، فهو قوله إنا أنزلناه في ليلة القدر .
قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، فذكر نحوه ، وزاد فيه : وكان بين أوله وآخره عشرون سنة .
قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان التيمي ، قال : ثنا عمران أبو العوام ، قال : ثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، أنه قال في قوله الله إنا أنزلناه في ليلة القدر قال : نزل أول القرآن في ليلة القدر .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن حكيم بن جبير ، عن ابن عباس ، نزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحة ، ثم فرق في السنين . وتلا ابن عباس هذه الآية . فلا أقسم بمواقع النجوم [ الواقعة : 75] قال : نزل متفرقاً .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، في قوله إنا أنزلناه في ليلة القدر . قال : بلغنا أن القرآن منزل جلة واحدة إلى السماء .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير : أنزل القرآن جملة واحدة ، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر فيها يفرق كل أمر حكيم [ الدخان : 4] .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله إنا أنزلناه في ليلة القدر . قال : أنزل القرآن جلة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، فكان بموقع النجوم ، فكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض ، ثم قرأ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا [ الفرقان : 32] .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ليلة القدر : ليلة الحكم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد إنا أنزلناه في ليلة القدر قال : ليلة الحكم .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير : يؤذن للحجاج في ليلة القدر ، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ، ولا يزاد فيهم ، ولا ينقص منهم .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عليه ، قال :ثنا ربيعة بن كلثوم ، ثقال : قال رجل للحسن وإنا أسمع : رأيت ليلة القدر في كل رمضان هي ؟ قال : نعم ، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كل رمضان وإنها لليلة القدر ، فيها يفرق كل أمر حكيم ، فيها يقضي الله كل أجل وعمل ورزق ، إلى مثلها .
حدثنا أبو كريب ، قال :ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : ليلة القدر في كل رمضان .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
وقوله : وما أدراك ما ليلة القدر يقول : وما أشعرك يا محمد أي شيء ليلة القدر .
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
خير من ألف شهر .
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : العمل في ليلة القدر بمام يرضى الله ، خير من العمل في غيرها ألف شهر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : بلغني عن جاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال : علها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر .
قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو بن قيس الملائي ، قوله خير من ألف شهر قال : عمل فيها خير من عمل ألف شهر .
وقال آخرون : معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال :ثنا ابن ثور ، عن معمر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .
وقال آخرون في ذلك ما :
حدثنا ابن حيد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن المثنى بن الصباح ، عن مجاهد ، قال كان في بني إسرائل رجل يقول الليل حتى يصبح ، ث يجاه العدو بالنهار حتى يمس ، ففعل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله هذه الآية ليلة القدر خير من ألف شهر قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل .
وقال آخرون في ذلك ما :
حدثني أبو الخطاب الجارودي سهيل ، قال :ثنا سلم بن قتيبة ، قال : ثنا القاسم بن الفضل ، عن عيسى بن مازن ، قال : قلت للحسن بن علي رضي الله عنه : يا مسود وجوه المؤمنين ، عندت إلى هذا الرجل ، فبايعت له يعني معاوية بن أبي سفيان . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى في منامه بني أمية يعلون منبره خليفة خليفة ، فشق ذلك عليه ، فأنزل الله إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : 1] و إنا أنزلناه في ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر يعني لك بني أمية . قال القاسم : فحسبنا لك بني أمية ، فإذا هو ألف شهر.
وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزيل قول من قال : عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر . وأما الأقوال الأخر ، فدعاوى معان باطلة ، لا دلالة عليها من خبر ولاعقل ، ولا هي وجودة في التنزيل .
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
وقوله : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر اختلف أهل التأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : تنزل الملائكة جبريل عهم ، وهو الروح ، في ليلة القدر بإذن ربهم من كل أمر يعني بإذن ربهم من كل أمر قضاه الله في تلك السنة ، من روق وأجل وغير ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله من كل أمر قال : يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها ، فعلى هذا القول منتهى الخبر وموضع الوقف من كل أمر .
وقال لآخرون : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم لا يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلموا عليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن يحيى بن زياد الفراء ، قال : ثني أبو بكر بن عياش ، عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنه كان يقرأ ( من كل امرئ سلام ) وهذه القراءة من قرأ بها وجه معنى من كل امرئ : من كل ملك ، كان معناه عنده : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل ملك يسلم على المؤمنين والمؤمنات . ولا أرى القراءة بها جائزة ، لإجماع الحجة من القراء على خلافها ، وأنها خلاف لما في صاحف المسلمين ، وذلك أنه ليس في مصحف نم مصاحف المسلمين في قوله ( أمر ) ياء ، وإذا قرئت : ( من كل امرئ ) لحقتها همزة ، تصير في الخط ياء .
والصواب من القول في ذلك : القول الأول الذي ذكرناه قبل ، على ما تأوله قتادة .
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
وقوله : سلام هي حتى مطلع الفجر سلام ليلة القدر من الشر كله من أولها إلى طلوع الفجر من ليلتها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أله التأويل .
ذكل من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة سلام هي قال خير حتى مطلع الفجر .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة من كل أمر * سلام هي أي هي خير كلها إلى مطلع الفجر .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد سلام هي حتى مطلع الفجر قال : من كل أمر سلام .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله الله سلام هي قال : ليس فيها شيء ، هي خير كلها حتى مطلع الفجر .
حدثني موسى بن عبد الرحمن السروقي ، قال : ثنا عبد الحميد الحماني ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، في قوله من كل أمر * سلام هي قال :لا يحدث فيها أمر .
وعني بقوله حتى مطلع الفجر إلى مطلع الفجر .
واختلفت القراء في قراءة قوله حتى مطلع الفجر فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار ، سوى يحيى بن وثاب و الأعمش و الكسائي مطلع الفجر بفتح اللام ، بمعنى : حتى طلوع الفجر ، تقول العرب : طلعت الشمس طلوعاً ومطلعاً ، وقرأ ذلك يحيى بن وثاب و الأعمش و الكسائي (حتى مطلع الفجر ) بكسر اللام ، توجيهاً منهم ذلك إلى الاكتفاء بالاسم من المصدر ، وهم ينوون بذلك المصدر .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : فتح اللام لصحة معناه في العربية ، وذلك أن الطلع بالفتح هو الطلوع ، والمطلع بالكسر : هو الموضع الذي تطلع منه ، ولا معنى للموضع الذي تطلع منه في هذا الموضع .